بعد يوم طويل من المشى و التصوير وقفت أمام إحدى المقاهى الحديثة و لكنها تعلم أن ذلك الفرع ليس من الفروع التى يملئها الناس صخب .. و ذلك لها كأنه مكان تهرب فيه..
دخلت و توجهت لطاولتها المفضلة و سرعان ما جاء النادل صديقها الذى يحفظ طلباتها عن ظهر قلب ووقف بجانبها و يقول “مساء الخير يا فندم ” و ردت بسرعة هى الأخرى “مساء الخير يا محمود .. نفس الطلب لو سمحت !” فأومأ برأسه مجيباً “حالا يا فندم ” و إنطلق مسرعاً..
جلست هى إلى الطاولة ثم وضعت ألة تصويرها على الطاولة و حقيبتها ..
جاء النادل بالقهوة و فى أثناء وضعه للكوب أراد أن يخلق مكان كافياً فقام بدفع حقيبتها قليلاً إلى اليمين … و بعد وضعه الكوب و إنصرافه .. جلست تتأمل الكوب و لكن سمعت صوت شىء ينزلق من حقيبتها ثم ما لبث الصوت أن تحول إلى صوت معدنى عند ملامسته للطاولة …
وقبل أن ترتشف رشفتها الأولى نظرت إلى القلم عبر البخار المتصاعد من الكوب … و هنا حدث ما لم تتوقعه..
إذ بصوت ..”ها أنت ترتشفين قهوتك و أهملتينى ! لقد كنت أنا رفيقك ! كنت أنا من تأتنسى لوجوده مع رشفات القهوة ! ولكن ها أنت إستبدلتينى بمن يمسح خيالك و يستبدلها بلقطات عينك لتملئى بها ذاكرتك … لقد خنتينى !”
أغمضت عيناها لثانيتين ثم عادت لتفتحهما لتتأكد أنها ليست موهومة ! ولكن القلم عاود ..
“أعلم أن ألة التصوير قد تملئ بصرك بصور جميلة .. ولكن أنا من كان يملئ روحك و يغذى عقلك .. لقد كنت أنا كلمتك .. و لحن قلبك .. و كلماتى تسبح فى عروقك .. “
بصورة لا إرادية ردت على القلم “أنت لا تفهم .. لقد هزمت !! لقد تعبت !! لقد فقدت كل شىء ! لقد فقدت كثيراً مما أمنت به !! وجدته سراباً كلماً جريت ورائه إبتعد … أنت لا تفهم !! و كيف لك أن تفهم و أنت مجرد قلم !!”
فرد عليها دون أن ينتظر ” بل أفهم و أعلم .. وقد تكونى بالفعل قد فقدتى بعض الأشياء ولكن لم تفقدى روحك .. صدقينى ! أنا لا أسطر فقط ما تظنين ! بل أحيا فى أفكارك و أتعلم من كلماتك .. وأراقب أحلامك .. شفائكى فى .. سأداوى جروحك ! ولكنى لا أستطيع وحدى !! عودى إلى ولا تقتلينى .. ولا تملئى روحك بصور تخفى ورائها ألالامك .. شفائكى فى … شفائكى فى .. شفائكى فى .. “
وجدت نفسها ترد عليه بتلقائية شديدة ..
“أتستطيع مساعدتى ؟؟ ” ثم عادت تقولها مرة ثم مرة ثم مرة ..
حتى جائها صوت “أستاذة رحاب .. تأمرى بحاجة؟”
وجدت نفسها تنتزع من عالمها إلى صوت محمود النادل و هى لا تزال ممسكة بكوب القهوة بالقرب من شفتاها…ثم نظرت إلى الكوب .. ثم إلى القلم للبرهة ثم وجهت بصرها نحو النادل و قالت بأبتسامة خفيفة “ألاقى عندك أى ورقة صغيرة فاضية “
فتعجب النادل لأمرها وأحضر الورقة و أعطاها لها ..
فأخذتها و شكرته.. ثم مسكت القلم و سطرت فى أعلى الورقة “ورقة فاضية”